مغرب بلا تلفزيون: إفلاس إبداعي في دراما رمضان
مرت ثلاثة عشر يوما من رمضان، كانت كافية ليكتشف المشاهد المغربي ان شاشته لم تعد تعكس واقعه، رغم انه الممول الاول والاخير لها. القنوات الوطنية التي تمول من ضرائبه، بدل ان تنتج محتوى يحترم انتظاراته، اصبحت ساحة مفتوحة لاهواء المنتجين المنفذين، الذين يديرون العملية كانها صفقة تجارية، لا علاقة لها بالفن او الابداع. وبين هؤلاء، يقف المشاهد المغربي متفرجا على مسلسلات مكررة، وكوميديا بلا طعم، وبرامج تشعرك بانك ضيف ثقيل في بيتك.
في قلب هذه الفوضى، تلعب دار البريهي، داخل الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة، دور المايسترو الذي لا يكتفي بالاشراف، بل يتدخل حتى في اختيار الممثلين، وكانها وكالة تشغيل فنية اكثر منها مؤسسة اعلامية. كاستينغ الممثلين لم يعد مسألة موهبة او توافق مع الادوار، بل صار يدير بمنطق الولاءات والعلاقات، مما يفسر لماذا تظهر الوجوه نفسها في كل موسم، ولماذا يشعر المشاهد بانه يشاهد نفس الشخصيات حتى لو تغيرت القصص.
اما المنتجون المنفذون، فهم الملوك الحقيقيون لهذا المشهد، يتعاملون مع الدراما كمشروع استثماري لا كعمل ابداعي. ينالون العقود بسخاء، ثم يقتطعون حصتهم من الميزانية قبل ان يبدأ التصوير. لا مشكلة ان كانت النصوص ضعيفة، او المشاهد مرتجلة، المهم ان يسلم العمل في الوقت المحدد، وان يستمر تدفق الاموال في المواسم القادمة. هؤلاء لا يسألون ان كان المشاهد المغربي يستمتع بما يعرض، بل كل ما يهمهم ان تبقى الدائرة تدور، وان تبقى القنوات الوطنية مرتعا لاعمالهم الجاهزة.
ورغم هذه الصورة المظلمة، لا بد من الاشارة الى بعض الاستثناءات في بعض الشركات المنفذة التي تحاول ان تقدم اعمالا بمستوى افضل، ولكنها تظل شديدة الندرة وسط هذا البحر من الرداءة.
اما ام بي سي 5 وشاهد، فتمران هنا مرور الكرام، لانهما ببساطة جزء من المعادلة نفسها، حيث تتحول الدراما المغربية الى نسخة معدلة وفق مقاسات الجمهور الخليجي، فتلمع الصورة، وتخفف اللهجة، ويعاد تشكيل المجتمع المغربي ليبدو اكثر انسجاما مع سوق الترفيه العربية. النتيجة؟ اعمال مغربية الانتاج، لكن بروح غريبة عنه، تباع على انها نجاح للدراما الوطنية، بينما هي في الواقع مجرد بضاعة معلبة للمستهلك الخارجي.
وبينما يستمر هذا العبث، يظل السؤال معلقا: الى متى يدفع المغاربة من جيوبهم ثمن هذا الافلاس الإبداعي؟ ومتى يدرك اصحاب القرار في التلفزيون المغربي ان الفن ليس مجرد تسلية عابرة، بل انعكاس لهوية مجتمع باكمله؟
النهار24 – حميد الكمالي- تابعوا جديد أخبار النهار24 على : GOOGLE NEWS
