ماكرون والإعلام العمومي المغربي
بالتزامن مع الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة، أثير جدل واسع وصل حد الغضب من تعاطي الإعلام العمومي مع كلمة ماكرون في قبة البرلمان المغربي.
تركزت الاحتجاجات بشكل كبير على عدم ترجمة كلمة الرئيس الفرنسي إلى العربية والأمازيغية للمشاهد المغربي، في الوقت الذي تمت فيه عملية الترجمة على قناة الجزيرة مباشر وقناة فرانس 24 وغيرها من القنوات الأجنبية.
ولفهم ما وقع، دون أن نرتدي جبة الدفاع عن التلفزيون الوطني أو قبعة الهجوم عليه دون سند، يمكن تعزيز هذا النقاش وإنضاج الأفكار، دون تشنج، بعد أن عاد ماكرون لجمهوريته، عبر استحضار العديد من المعطيات المهمة والمحركة لعمل هذا الإعلام في الشق المتعلق بالأنشطة السياسية بشكل عام ونقل الأحداث وتغطية الأنشطة.
أولى تلك المعطيات أن التلفزيون العمومي محكوم بالقانون الأسمى 77/03، وهو قانون السمعي البصري الذي يؤطّر عمل كل المنشآت السمعية البصرية العمومية والخاصة الخاضعة لهذا القانون، الذي ينص في المادة 48 على النقل المباشر للخطب الملكية، دون أن يتحدث صراحة عن ترجمة تدخلات ضيوف المملكة أو كلماتهم داخل قبة البرلمان.
وثاني المعطيات أن دفتر تحملات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، الذي يُعد ترجمة لقانون السمعي البصري، ينص في مادته 10 على نقل خطب جلالة الملك وتغطية الأنشطة الملكية، كما تنص المادة 25 من نفس الدفتر على النقل المباشر لجلسات البرلمان، دون أن تشير المادة إلى تدخلات وخطب الضيوف، ودون أن تنص بشكل صريح على ترجمة هذه التدخلات.
وثالث المعطيات أن العلاقة بين البرلمان والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة علاقة تقنية صرفة تخضع بشكل أدق لقانون ضمان التعددية الذي تصوغ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بناء عليه قراراتها الدورية حول الولوج والنقل التلفزي، بشكل مرتبط بالعملية السياسية، وفق أسس التعددية، ما يعني أن حدود اجتهاد الإعلام العمومي في جلسات البرلمان منعدمة تمامًا، ما دام أن القوانين صريحة ودقيقة.
ورابع المعطيات، وهو الأساسي، يكمن في التأخير الغريب لإخراج القناة البرلمانية التي بدأ النقاش حولها في عهد وزير الاتصال الراحل خالد الناصري، وتدحرج النقاش مع توالي السنوات ليصل إلى النفق المظلم، مع استمرار الخلاف حول صيغ عملها والجهة المسؤولة عن عدم إطلاقها، رغم المعطيات القانونية المهمة التي هيأت لخروجها إلى حيز التنفيذ.
واستحضارًا لكل هذه المعطيات، يمكن فهم وتقبل وتبرير عدم ترجمة الخطاب المباشر للرئيس الفرنسي في ظل ضبابية النصوص القانونية المؤطرة صراحة لنقل خطب الرؤساء والملوك وممثلي الدول داخل البرلمان وترجمة كلماتهم، ما يجعل هذه النقطة أساسية في أي تعديل لقانون السمعي البصري ودفتر التحملات القادم. كما أن الحاجة أصبحت ملحة لإنضاج النقاش والحوار بين كل الأطراف لإخراج القناة البرلمانية إلى حيز الوجود، لتكون آلية تواصلية مستقلة عن الفاعل الحكومي ومؤسسات السلطة التنفيذية.
النهار24 – توفيق ناديري- تابعوا جديد أخبار النهار24 على : GOOGLE NEWS