بوقاسم: أغلب النقابات المهنية للفنانين بالمغرب إطارات مشلولة أو تعيش في غيبوبة مستديمة

أغلب النقابات المهنية للفنانين بالمغرب إطارات مشلولة أو تعيش في غيبوبة مستديمة

إسماعيل بوقاسم رئيس الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة بجهة الدارالبيضاء سطات  لـجريدة “المنعطف”:

لا يعرف حال المسرح المغربي، وما يعانيه من هزات عنيفة على امتداد وجوده، إلا الممارسين والفاعلين فيه.. فهؤلاء هم من يقيسون درجة حرارته، ولهم القدرة على تشخيص أوضاعه، والوقوف على عِلاته، والتطلع إلى حلول واقعية وناجعة لإخراجه من حالة “السكتة القلبية” التي تهدده، بالرغم من الشعارات الرسمية المرفوعة حول انتعاش دورته الدموية. وهنا، يحضر معنا الكاتب المسرحي إسماعيل بوقاسم، باعتباره فاعلا أسهم من خلال مؤلفاته في تنشيط حركية المسرح المغربي.

ويرى بوقاسم، في حديثه مع “المنعطف” أن حال “أبو الفنون” في المغرب لن يكون بخير إلا بعزم ممارسيه، مشيرا إلى أن ما تعيشه الساحة المسرحية المغربية اليوم، من تدافعات وتجاذبات في كثير قضاياه، هي نتاج للتصادم بين فعالياته وإطاراته النقابية والتمثيلية.

في هذا الحوار، يتحدث رئيس الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة بجهة الدرالبيضاء سطات عن ورش الحماية الاجتماعية للفنانين، وعن القوانين التنظيمية المؤطرة لعمل الفرق المسرحية المحترفة، بالإضافة إلى مواضيع أخرى تجدونها في الحوار التالي:

باعتبارك مؤلفا مسرحيا، ورئيسا لفرع الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة بجهة الدارالبيضاء سطات، هل يمكن القول، في ظل ما يتخبط فيه قطاع أبو الفنون، إن المسرح بخير؟

على امتداد مسافة وجود المسرح منذ زمن الإغريق إلى اللآن، ارتبط حالُ فن الخشبة بحال أهله، وأهله تعني العائلة المسرحية في المقام الأول، ثم بالظرف السياسي الذي يعيش فيه في المقام الثاني، علاوة على أن المسرح من الناحيتين الجمالية أو التنظيمية، لن يكون بعافية إلا بعزم ممارسيه.. وما تعيشه الساحة المسرحية المغربية اليوم، من تدافعات وتجاذبات في كثير قضاياه، هي نتاج للتصادم بين فعالياته وإطاراته النقابية والتمثيلية، التي تناسل كثير منها بفعل الانتهازية والانتفاعية، وليس بهدف الترافع عن القضايا الكبرى للقطاع..

لكن كيف حاله تنظيميا وجماليا وإبداعيا؟

من الناحية الجمالية والإبداعية يمكن القول، إن المسرح المغربي يتمتع حاليا بعافية جيدة، قياسا بأنداده على المستوى العربي، بدليل تبوئه للمراتب المتقدمة في كثير من المحافل والمنتديات والمهرجانات المسرحية العربية والدولية.. أما من الناحية التنظيمية فالمسرح المغربي ليس بخير، لأن أغلب إطاراته التمثيلية مشلولة أو تعيش في غيبوبة مستديمة، والمؤسسات الوصية عليه، لا خير فيها، بل شبه ميتة، والمثل العربي الرائج يقول “الضرب في الميت حرام”.       

كيف تنظر إلى وضعية الفرق المسرحية المغربية المحترفة في ظل القوانين المنظمة، خاصة وأن هناك من يعتبرها ماتزال تشتغل بمنطق الهواية.. بمعنى آخر، هل لدينا فرق محترفة حقا؟

++ مسألة الهواية والاحتراف في المسرح المغربي، هي حديث ” ذو شجون”.. فالاحتراف بمنطق الجهاز الوصي، هو أن تؤطر الفرقة المسرحية منجزاتها الإبداعية بـ”عقود شغ

ل” مع المبدعين المشاركين في فُرجاتها، وتعتبر أي عمل خارج إطار “العقود الشغلية”، يدخل في خانة الهواية، بدليل أنها تشترط “عقود الشغل” كعنصر أساسي في الحصول على “البطاقة المهنية للفنان”.

هذا المنطق الرسمي يُربك حسابات الباحثين والمهتمين والفاعلين في مجالات أبي الفنون، الذين يصنفون الأعمال المسرحية المحترفة من المسرحية الهاوية أو الشبابية، وفق مستوى ارتفاع صبيب القيم الفنية والجمالية التي تؤطر فُرجاتها. أما عن الوضعية القانونية التي تؤطر العمل الجمعوي في المغرب، وضمنه الجمعيات المسرحية، فينظمها قانون الحريات العامة بموجب الظهير الشريف للعام 1958، والذي ما أحوجه إلى تعديلات وتتميمات ترقى بدور الجمعيات المسرحية إلى مستوى شركات للإنتاج الفني، وفق شروط مُخففة تراعي واقع الشغل في العمل المسرحي بالمملكة المغربية.

لندع الجانب التنظيمي جانبا..  ما هي مشاكل الفرق المسرحية المحترفة الموضوعة على طاولة الفيدارية (فرع جهة الدارالبيضاء سطات) باعتبارها إطارا ترافعيا؟

 مشاكل الفرق المسرحية المحترفة بفرع جهة الدارالبيضاء سطات، لا تختلف في شكلها أو جوهرها عن المشاكل التي تعيشها الفرق المسرحية على المستوى الوطني، وبما أن الأمر يهم جميع الجهات فإن المكتب الوطني لفيدرالية الفرق المسرحية المحترفة، يقوم بدوره الترافعي مع الأجهزة الوصية، عن طريق المذكرات المطلبية واللقاءات التفاوضية مع المسؤولين عن تدبير الشأن المسرحي بالمملكة، لتغيير واقع هذا الحال الذي بات لا يسر عدوا ولا حبيبا، وأثر بشكل سلبي على القطاع برمته.

كيف ترون الورش الذي أطلقته وزارة الثقافة الخاص بتعميم الحماية الاجتماعية للفنانين، وهل هناك أفق يتسع لتحقيق هذه الحماية التي تدخل في صميم التعليمات الملكية لتعميم الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة؟

برنامج تعميم الحماية الاجتماعية، لم تطلقه وزارة الثقافة، إنما هو ورش كبير يدخل ضمن إرادة ملكية سامية، تشمل جميع فئات المجتمع المغربي.. وأفواج الفنانين والمبدعين المغاربة يدخلون ضمن هذه الفئات. للأسف الشديد إن وزارة الثقافة لم تتعامل مع فئة الفنانين المغاربة بالتي هي أحسن، بمعنى أنها لم تراعي الخصويات التي تحكم نظام اشتغالهم داخل قطاع غير مهيكل، حيث تعاملت مع الفنان الذي يشتغل بعقود شغل محددة التاريخ، بنفس الحماس الذي تفاعلت به مع فئات أخرى لا يجمعها بها خير ولا إحسان. لذلك أقول، إن على الجهات الوصية أن تراجع دفاترها وتعيد حساباتها في حماية الوضعية الإجتماعية للفنانين، بما يتلاءم وطريقة اشتغالهم المعمول بها في هذا البلد.

أنت كفاعل مسرحي له تجربة طويلة زاوجت بين الهواية والاحتراف، وفاعل نقابي سابق في النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، هل يمكن القول إن الفعل النقابي في المجال الفني له قوة ترافعية حقيقية تمكنه من تحصين عمل الفنان في المغرب؟

كما أسلفت سابقا، إن التدافعات النقابية والتمثيلية داخل قطاعات الفن والثقافة بالمغرب، لم تؤدي واجبها في الترافع والتفاوض للدفاع عن القضايا الكبرى التي تهم القطاع، كما أنها لم تخدم جوانب كثيرة لأجل تنظيم المهن الفنية، بقدر ما خدمت بعضا من قياداتها وقضت حاجات ومصالح إنتفاعييها، لذلك أقول إن أغلب النقابات المهنية للفنانين بالمغرب، هي مجرد فروع خاوية على عروشها، وأكثر من ثلثيها إطارات مشلولة أو تعيش في غيبوبة مستديمة.

دأبت جمعتكم “فضاء القرية للإبداع” على تنظيم مهرجان بن امسيك للمسرح الاحترافي منذ سنة 2010.. هل حقا إنكم تعتزمون تنظيم الدورة 11؟ وماهي خطوطه العريضة؟

صحيح.. إننا الآن بصدد الإعداد لهذا المهرجان الذي أصبح مع توالي دوراته، يكسب مكانة جد متقدمة ضمن المهرجانات الكبرى في المغرب. إذن، ها نحن وللمرة الحادية عشرة، نشعل شمعة من شموع المسرح المغربي. شموعٌ لا يخطف نورها الأبصار، لكنه نور يعكس شعاع توهج مسرحي مغربي تأجج بريقه بعد “استراحة مُحارب”، دامت لأكثر من عامين من الحجر الصحي، إثر توقف اضطراري للحركة المسرحية وكل الأنشطة الإشعاعية بالبلاد، فرضتها ظروف جائحة “كورونا”. اليوم، وتحديدا في هذا الشهر (يونيو 2022) يرتدي “مهرجان ابن امسيك للمسرح الاحترافي” جبة الاستمرار، ويُجدد أنفاسه بإضافات نوعية على مستوى هياكله وبرامجه الفنية والجمالية والثقافية والفكرية، ويتطلع إلى إبراز نجم المُنجز المسرحي المغربي بتنوعه وتعدده إبداعا وتنظيرا، في بُعديه الإبداعي والجمالي، وتعلن إدارته للمرة الحادية عشرة أنها ستحفر بأظافرها لتحقيق فعل الاستمرار.

دأب المهرجان على إطلاق دوراته بأسماء شخصيات فنية وثقافية وازنة كعبد الكريم برشيد والمرحومة ثريا جبران ونعيمة المشرقي والمرحوم عبد العظيم الشناوي وداسوكين وعبد القدر مطاع ومحمد بهجاجي وغيرهم.. هل حقا إن الدورة 11 ستحمل اسم المبدع محمد قاوتي؟

بالفعل.. إن اختيار المسرحي المقتدر محمد قاوتي عريسا لهذه النسخة، دليل قوي على أن المقاصد الكبرى للمهرجان تتحقق على سكة يحكمها منطق الاعتراف بالقيم الإبداعية الرائدة التي طبعت المشوار المسرحي المغربي. كما تتشرف هذه الطبعة بتكريم قيدوم المسرحيين المغاربة الفنان الكبيرمحمد التسولي. وتأسيسا على العلاقة المتصلة بين المسرح ورجالات الإعلام والصحافة الوطنية، ستحتفي هذه النسخة بقامة إعلامية ومسرحية عززت الخزانة الإعلامية والمسرحية بإضافات نوعية وتتشرف بالصحافي الطاهر الطويل. كما أنه تكريما لروح الفنان المسرحي الكبير مصطفى سلمات، خصصت إدارة الجمعية المنظمة لـ”مهرجان ابن امسيك للمسرح الاحترافي” جائزة باسم هذا الفنان الراحل خلال جميع طبعات المهرجان، هذه الدورة ستُسلم الجائزة إلى الفنان المتميز “كمال كاظمي”. إضافة إلى كل ذلك، تتضمن أجندة المهرجان أيضا، ورشات تكوينية في الشُعب المسرحية وندوتين حول واقع وافق المسرح بالجهة، وتقدم هذه الدورة عشرة عروض مسرحية محترفة من عدة مدن مغربية.

أصدرتم مؤخرا كتابا عبارة عن مسرحية بعنوان “راس الخيط”، هل مازال سوق النشر مفعما بتلك الحيوية في ظل ارتفاع ثمن الورق وضعف المقروئية، وهل لكم مشروع إصدار جديد؟

صدر لي منتصف شهر مارس 2022 عن مطبعة بلال / فاس، نص مسرحية “راس الخيط” يُقدَّم في 96 صفحة من الحجم المتوسط. أحداث المسرحية تتناول بأسلوب فني مجازي، جانبا من تناسل الصراع الإنساني المُتوارث، الذي سيبقى قائما على امتداد مسافة الوجود البشري، مع تطور وتعدد أبعاده وأساليبه بحسب التطور التكنولوجي والرقمي وتقلب الظروف المناخية والسياسية للمجتمعات.. و”راس الخيط” عالج مادته الدرامية الفنية، من زاويةٍ أرجعت أهم دوافع هذا الصراع الآدمي الأزلي، وأسباب نزوله وتأججه إلى العقد النفسية، التي تغذي النوايا السيئة في بعض النفوس البشرية، وتدفعها لارتكاب حماقات في حق بعضها تارة، وفي حق الإنسانية أحايين أخرى، وغالبا ما تكون عواقبها وخيمة وضحاياها كثر. كما أني بصدد وضع اللمسات الفنية والتقنية الأخيرة لإصدار نصي المسرحي الجديد “لليف والزرواطة”، وهو نص في خمسة أنفاس، تتواثر مستويات الحكي داخله، وتتدرج في إماطة اللثام عن تعدد وجوه الشخصية المحورية للعمل المسرحي، وتُعري زيف اد

عائها خدمة الناس، وتتسلل داخل الإنسان فيها بحثا عن معدنه، فتكتشف دواعي انجرافه وانحدار قيمه النضالية وهشاشة مبادئه ومواقفه أمام تحديات الواقع، وهرولته إلى الجنوح للارتماء بين أحضان الفردانية والانتهازية.

حضرتم مؤخرا لافتتاح مسرح بن امسيك بصفتكم فاعلا مسرحيا في المنطقة، كيف ترى هذه المعلمة وطبيعة اشتغلاها وأفقها في إشعاع مسرحي بجهة الدارالبيضاء سطات؟

للحقيقة أقول، إن “مسرح ابن امسيك” الذي تم افتتاحه مؤخرا، هو إضافة نوعية للبنيات التحتية والتجهيزات الثقافية بالمدينة البيضاء ومن خلالها لجهة الدار البيضاء – سطات، ومن ثمة للمملكة المغربية عموما، وبحكم موقعه الجغرافي في قلب منطقة ابن امسيك، سيحقق إشعاعا ثقافيا يليق بمستوى تطلعات الساكنة المحلية، ويلبي في المقابل رغبات الفرق المسرحية المحترفة على المستوى الوطني، ويكون بالفعل منارة للمثقفين والفاعلين والمهتمين بفنون الخشبة.. وهي مناسبة أنوه من خلالها بالمجهودات الجبارة التي بدلها جميع الشركاء والمتدخلين لإخراج هذه المعلمة المسرحية إلى الوجود، وأتمنى صادقا، أن تحضى منشأة “مسرح ابن امسيك” بالعناية التي يستحقها من طرف الجهات المشرفة على تدبير شؤونه.                     

<

p style=”text-align: justify;”>النهار24– حاوره: حسن عين الحياة