الحملة ضد حنان رحاب: من يختبئ خلف الستار
لم يكن المفاجئ هو خروج المدعو “محمد تحفة” للتهجم على حنان رحاب، أو أي شخصية عمومية أخرى، فقد عرف الجميع أن هذا الشخص هو مجرد مبتز في نهاية المطاف، وحين “يترقى” قليلا في سلم الأعمال القذرة، يصبح مسترزقا.
يكفي العودة لتاريخه في التشهير، لنجد أن من كان يصفهم بأسوء النعوت، أصبح من المنافحين عنهم، ومن كان يقدمهم أبطالا في مكافحة الاستبداد، أصبح يكيل لهم أقذع السباب صباحا ومساء. وفي كل تحول في الموقف، يعيد تكرار اللازمة نفسها: لقد كانت تصلني معلومات خاطئة، أو لقد تم التغرير بي، في حين أن الأمر يتعلق بعمليات تشهير مرفوقة بالابتزاز في الكواليس، وبخدمات مدفوعة الأجر مسبقا.
لكن السؤال الذي يهمنا كصحافيين وكزملاء في المهنة: من وراء التهجم على الزميلة حنان رحاب؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ وما الهدف من محاولة اغتيالها رمزيا؟
لا نعتقد أن المدعو “تحفة” يتحرك من تلقاء ذاته، إذ لا علاقة له بمجتمع الصحافة والإعلام، ولا معرفة سابقة له بالزميلة “حنان رحاب”، ولا مصلحة ظاهرة له في التشهير بها، إذ لا يجمعهما شيئ، وبالتالي فلا تفسير لهذه الخرجات التي تبدو ظاهريا بدون سياق، إلا أن هناك من تزعجه الزميلة “حنان رحاب”، أو يسعى لتحييدها من المشهد النقابي والمدني، لسبب ما، وهو غير قادر على مواجهتها ظاهرا، وبوجه مكشوف، فعمد إلى كراء أدوات التشهير، وخاصة أن الأمر لم يقتصر على “تحفة”، بل انحرط فيها بعض ممن نبتوا فجأة في القطاع، بدون ماض، ولا تكوين، ولا احترام لأخلاقيات المهنة، ولا دراية بأعراف المهنة وتقاليدها.
نتفق مع الزميلة “حنان رحاب” في قضايا، ونختلف معها في أخرى، وهذا أمر عاد، ونشهد للزميلة أنها لم تمتعض يوما من انتقاداتنا أو اختلافنا مع تقديراتها، ولكن لا يمكن لأي صحافي موضوعي إلا أن يشيد بالزميلة على المستويات التالية:
الأولى: أنها النقابية التي لا تغلق هاتفها في وجه زميلاتها، وزملائها، والأكثر مسارعة للوقوف معهم حين يقتضي الأمر ذلك، وخصوصا في الملفات النقابية والاجتماعية والقانونية/القضائية، بغض النظر عن المنبر الذي يشتغل فيه صاحب الشكاية، أو مواقفه.
الثاني: أنها كانت شرسة في الترافع حول إعادة النظر في طرق صرف الدعم العمومي للمقاولات المهنية، من مدخل التشدد في آليات الرقابة والمحاسبة، واشتراط احترام حقوق كل العاملات والعاملين، خصوصا على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
الثالث: دفاعها المستميت عن تحيين القوانين المنظمة للمهنة، بما يجعلها أكثر توافقا مع التزامات المغرب الدولية، وبما يجعلها أكثر تنظيما للمهنة، في أفق إعلام وطني تنافسي، وبما يجعلها تساهم في الرفع من القيمة الاعتبارية للصحافيين، ونحسين شروط عملهم.
الرابع: التحول الإيجابي الذي طرأ على عمل جمعية الأعمال الاجتماعية لصحافيي الصحافة المكتوبة، إذ لمس العديد من الزملاء تحسن الخدمات على مستويات تمدرس الأبناء والتطبيب والاصطياف وتكريم المتقاعدين وغيرها.
الخامس: مزاوجتها بين الدفاع عن حرية الصحافة، وحقوق الصحافيات والصحافيين، وبين الدفاع عن الوطن ومؤسساته، إذ لم تتوانى عن مواجهة كل الأصوات الخارجية التي كانت تتستر خلف مزاعم انتهاك حقوق الإنسان من أجل ابتزاز وطننا، ومواقفها في هذا الاتجاه مشهودة، فمنها المعروف، ومنها غير المعروف كنشاطها داخل الاتحاد الدولي للصحافيين، واتحاد الصحافيين العرب، وكذا المنظمات الدولية النسائية والاشتراكية التي اشتغلت داخلها بفعالية.
إن ما سبق هو الذي يدفعنا اليوم للتضامن مع الزميلة “حنان رحاب” لأننا نعتقد أن الحملة غير موجهة ضد حنان كمواطنة فقط، بل هي متوجهة ضد حنان كفعالية نقابية، ينبغي تحييدها، خدمة لمصلحة من يعتبر أن ما تقطعه بلدنا من خطوات شجاعة في اتجاه الحكامة الجيدة والشفافية في صرف المال العام، لا يخدم مصالحه، وهي الخطوات التي تؤرق من ألفوا الريع، والابتزاز، والصفقات تحت الطاولة.
يكفي حنان رحاب أن من اشتغلوا معها في النقابة، ومن حاورتهم من مسؤولين عن القطاع أو متدخلين فيه بحكم مهامها، إلا ويشهدون لها بالتفاني والعمل الدؤوب والالتزام، والذي لا نعتقد أن من يسعى لتحييدها، قادر على مجاراة إيقاعها في العمل.
لكن الخطير في الحكاية، هو عوض الاحتكام للتمثيلية الانتخابية، وعوض الاحتكام للمردودية والعمل الميداني الذي يشهد لكل واحد على ما يقدمه لخدمة القطاع، يسعى البعض لكراء البلطجية للسب والنهش في الأعراض، وتصوير المغرب بلدا كاتما للحريات، فما معنى أن يقول البلطجي تحفة: لا توجد صحافة في المغرب قادرة على التطرق لمواضيع فساد البرلمانيين ورؤساء الجماعات المحلية، مع أن الصحافة تعج يوميا بمثل هذه المواضيع، وما هو أخطر منها، مستفيدة من هامش الحرية الكبير الذي توفره مؤسسات البلد المعنية، ومن دستور قائم على تطوير حقل الحقوق والحريات، ليطرح سؤال: من يريد تشويه صحافة هذا البلد، وعزلها؟ ولمصلحة من؟ ومن يريد ان يقتات المغاربة من تجار الأدسنس الذين لا يحكمهم ضابط من قانون أو من ميثاق لأخلاقيات المهنة؟
بمعنى آخر: من يهدف إلى تسييد الفوضى الإعلامية، ويهدف إلى مقاومة ما تقوم به الدولة نفسها في اتجاه إصلاح شأن الإعلام؟
ولماذا يحشر هؤلاء أسماء شخصيات وطنية، لها وظائف سامية في مؤسساته، وتحظى بالتوقير والاحترام والإجماع على جليل أعمالها في خرجاتهم؟
الخشية أن تكون الخطة هي الاغتيال المعنوي للصحافة، مترافقا مع المس بالصورة الإيجابية والنبيلة لهذه الشخصيات.
وهنا، لن نكون أمام تصفية حسابات داخل قطاع الصحافة، بل سنكون أمام مخطط أكبر للتشكيك في كل مؤسسات الوطن.
النهار24 – خاص- تابعوا جديد أخبار النهار24 على : GOOGLE NEWS