الحصان المحنط: جودار يقود الاتحاد الدستوري نحو الهاوية
من بيع الشهادات إلى تبييض الأموال: سلسلة المتابعات القضائية
في مشهد سياسي مغربي يتسم بالحركية والتنافس المحموم استعدادا للانتخابات المقبلة، يبدو أن “حصان” الاتحاد الدستوري قد أصيب بالشلل التام، ليس بسبب إصابة عارضة، بل نتيجة سياسة “تحنيط” ممنهجة يمارسها أمينه العام محمد جودار، الذي يبدو أنه نسي أن الأحزاب السياسية وجدت للمنافسة وليس للتحول إلى قطع أثرية في متحف السياسة المغربية.
“فارس” بلا فروسية
منذ انتخابه أمينا عاما في أكتوبر 2022، تحول محمد جودار من “فارس جديد” كما وصفته وسائل الإعلام آنذاك، إلى “حارس” للجمود والسكون داخل حزب يفترض أن رمزه “الحصان” يعكس الحركة والدينامية. لكن يبدو أن جودار فضل أن يربط هذا الحصان بإحكام في إسطبل الأغلبية الحكومية، دون أن يحصل منها حتى على حفنة من الشعير السياسي في شكل مناصب أو مواقع مؤثرة.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه الأحزاب الأخرى نحو تعزيز مواقعها استعدادا لانتخابات 2026، يبدو أن “حصان” جودار مصاب بالإرهاق المزمن، أو ربما هو في حالة سبات عميق، لا يوقظه منه حتى صهيل الاحتجاجات المتصاعد من داخل الحزب نفسه.
“الديمقراطية” على طريقة جودار
“التحكم المستمر في الحصان والانفراد بالقرارات”، هكذا يصف قياديون في الاتحاد الدستوري أسلوب جودار في إدارة شؤون الحزب، في مفارقة صارخة مع مبادئ الديمقراطية التي يفترض أن يدافع عنها حزب يحمل اسم “الدستوري”. ولعل المفارقة الأكثر سخرية هي أن جودار نفسه نائب رئيس مجلس النواب، المؤسسة التي يفترض أنها منبر للتعددية وتداول الآراء، بينما يمارس داخل حزبه سياسة “الصوت الواحد” التي لا تقبل النقاش.
وفي ظل هذا “الانفراد بالقرارات”، تحول الاتحاد الدستوري إلى ما وصفه أحد قيادييه بـ”كيان صامت وملحق سياسي باهت داخل الأغلبية الحكومية”، في إشارة إلى غياب أي تأثير حقيقي للحزب في المشهد السياسي، رغم مشاركته في دعم الحكومة.
“عبقرية” اختيار القيادات
لم تقتصر “عبقرية” جودار على تحويل الحزب إلى كيان هامشي، بل امتدت إلى اختياراته للقيادات الحزبية، وآخرها تعيين الأستاذ الجامعي أحمد قيلش منسقاً إقليمياً للحزب بأكادير إداوتنان في 3 أبريل 2025، ليجد نفسه مضطراً بعد أيام قليلة إلى تجميد عضويته بسبب تورطه في فضيحة بيع شهادات الماستر.
وتكشف هذه الحادثة عن غياب أي معايير جدية في اختيار القيادات داخل الحزب، وعن استهتار واضح بمبدأ التدقيق في سيرة المرشحين للمناصب القيادية. فكيف يمكن لأمين عام حزب سياسي أن يعين شخصاً في منصب قيادي دون التأكد من نظافة سجله وسمعته؟ أم أن المعيار الوحيد هو الولاء المطلق للأمين العام؟
“قنبلة” في وجه الحصان
وصفت وسائل الإعلام قضية بيع الماسترات بأنها “قنبلة تنفجر في وجه جودار قبل عام من الانتخابات”، وهو توصيف دقيق لحجم الضرر الذي ألحقته هذه الفضيحة بصورة الحزب وقيادته. فالقضية لم تقتصر على تورط عضو في الحزب، بل طالت منسقاً إقليمياً عينه جودار نفسه قبل أيام قليلة من انفجار الفضيحة.
والأدهى من ذلك أن التحقيقات كشفت عن وجود ما يقارب 80 مليون درهم (8 مليارات سنتيم) مجمدة في حساب بنكي باسم زوجة المتهم، وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الفساد الذي كان يمارس تحت غطاء أكاديمي، في الوقت الذي كان فيه المتهم يستعد للترشح للانتخابات وترؤس جماعة محلية باسم حزب “الحصان”.
صمت “الفارس” المحير
في خضم هذه العاصفة، اختار محمد جودار الصمت، وظل هاتفه مشغولاً دون رد على استفسارات الصحافة، في سلوك يعكس عجزه عن مواجهة الأزمة أو تقديم تفسيرات مقنعة للرأي العام. وهو الصمت نفسه الذي يمارسه تجاه الانتقادات الداخلية المتصاعدة ضده من داخل الحزب.
ولعل هذا الصمت هو أبلغ تعبير عن حالة “التحنيط” التي أصابت الحزب في عهد جودار، حيث تحول “الحصان” من رمز للحركة والدينامية إلى تمثال جامد لا يستطيع حتى الصهيل احتجاجاً على ما يحدث حوله.
“القتل الرمزي” للحزب
“قتل رمزي للحزب ستظهر نتائجه بالملموس في انتخابات 2026″، هكذا وصفت مصادر داخل الاتحاد الدستوري نتيجة سياسات جودار وأسلوبه في إدارة الحزب. وهو وصف دقيق لما آل إليه حال “الحصان” في ظل قيادة فارس يبدو أنه نسي أصول الفروسية، أو ربما لم يتعلمها أصلاً.
فالحزب الذي كان يطمح إلى تعزيز موقعه في المشهد السياسي، وجد نفسه يغرق في مستنقع الفضائح والانتقادات، بينما يواصل أمينه العام سياسة “الهروب إلى الأمام” متجاهلاً كل الأصوات المطالبة بالتغيير والإصلاح.
هل آن أوان الصحوة؟
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في 2026، يبدو أن الاتحاد الدستوري يسير بخطى ثابتة نحو هزيمة محققة، ما لم تحدث “صحوة” حقيقية تنقذ “الحصان” من حالة “التحنيط” التي أصابته في عهد جودار.
فهل سيستمر المناضلون والقيادات في الصمت والرضوخ لسياسة “الصوت الواحد”؟ أم أن “صهيل” الاحتجاج سيرتفع بما يكفي لإيقاظ “الحصان” من سباته العميق؟ وهل سيدرك جودار أن الأحزاب السياسية ليست ملكية خاصة للأمين العام، بل هي منابر للعمل الجماعي والتنافس الديمقراطي؟
أسئلة تبقى إجاباتها معلقة في انتظار ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، لكن المؤكد أن “الحصان” لن يستطيع الاستمرار في السباق السياسي وهو مقيد بقيود “التحنيط” التي فرضها عليه “الفارس” جودار.
النهار24 – خاص – تابعوا جديد أخبار النهار24 على : GOOGLE NEWS